الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية المنصف بن مراد يكتب: هـل تصـبـح تونس دولـــة الأحزاب الفاشلة والمافيا؟

نشر في  29 جوان 2016  (10:37)

كانت تونس «محميّة» نهضوية زمن الترويكا فقد وقع اختراق الإدارة واركاعها وانتفع «المناضلون» الحزبيون بأكثر من 1500 مليار كما انهار الاقتصاد بسبب انعدام الكفاءة وانتشرت الأسلحة وتفشى الارهاب وكل ذلك باسم الخالق الخلاق!
ثمّ نظّمت انتخابات ونجح الباجي والنداء لكن الضغوطات الأجنبية والتحالفات والمحاصصة (يا للمهزلة) كبلت تونس رغم تحسن ملحوظ في حربنا على الارهاب.. واضافة الى هذا الوضع المزري، تعاني البلاد من مديونية قاتلة تفوق 30.000 مليار من مليماتنا ومن اضطرابات اجتماعيّة مدمّرة ومن غياب روح المسؤولية في العمل.. شعب كسول يأكل ويطالب وهنا لابد من استثناء عدد من المواطنين الذين يعملون ويكدّون ويؤدون واجباتهم نحو وطنهم ويبعثون المشاريع أو يحاربون الارهاب بجدية مقدّمين في ذلك أجلّ التضحيات.

ولقد كتبنا  مرارا لننتقد عدم مبالاة الحكومة ورئاسة الجمهورية لكن لا الباجي قايد السبسي ولا الحبيب الصيد اهتمّا بالنقد الجدي، بل تأكد بما لا يدع مجالا للشكّ أنّهما يفضّلان الكلام المعسول و«انتقاد» الأصدقاء ومسّاحي الأحذية وهذه الثقافة برزت منذ الاستقلال ولم تزل الى يومنا هذا.. والحمد لله انّ «أخبار الجمهورية» لم يقع استدعاؤها الى المواكب الرسمية ولا الى الزّيارات الرسمية وحتى عند تدشين الخطوط الجوية كما لم تدع الى الجلسات الخاصّة في قصر قرطاج والقصبة لأنّهما لا يريدان نقادا جدّيين.. لقد تعاملت السلطة السياسية معنا منذ 2011 مثلما تعامل معنا النظام لمدة 20 سنة واني انصح الباجي وكل مسؤول في الدولة الى الاستماع للكلام الموجع الذي قد لا يروق لهم عوض الاستماع لجماعة «بني وي وي».
وبالنسبة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية اعتقد انّ المحاصصة هي الخطر الأكبر لأنّ انقاذ تونس يستوجب تعيين أصحاب الكفاءات لا تعيين منتمين للأحزاب ليكونوا عيونها ووسيلة ضغط على رئيس الحكومة! ان المحاصصة التي تطالب بها النهضة والنداء وبعض الأحزاب الأخرى تعني خدمة الأحزاب، لا خدمة الوطن.. إنّ بلادنا بحاجة اليوم الى كفاءات تؤمن بالوطن، وأمامها تذوب الولاءات والانتماءات مهما كانت منافعها.
ثمّ ما معنى تعيين رئيس حكومة وان لم يكن له برنامج عمل واستراتيجيا وأهداف محدّدة؟

انّ تونس تحتاج اليوم الى رجل قويّ لا يخضع لمطالب الشيخين ويعيّن رجالا من حديد في وزارات الداخلية والدّفاع والاقتصاد والعدل كلّفه ذلك ما كلّفه لكن التحالف الضمني بين النداء الذي يحكمه حافظ قايد السبسي والنهضة يحول دون تحقيق كلّ هذا، خاصة بعد ان زار السيد راشد الغنوشي فرنسا وتمّ استقباله من قبل السلطات الرّسمية رغم انه لا يمثّل الاّ حزبا تونسيّا أعلن ـ نظريا ـ الفصل بين الدين والسياسة والحال انّ كلّ تصريحاته ومواقفه تدلّ على انّ ميولاته العقائدية هي التي تحدد اختياراته.
انّ الوضع الراهن للبلاد يستوجب تعيين رئيس حكومة قوي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة تونس دون سواها، رجل لا يخضع لتعليمات المؤسسات المالية الغربية ولا للسفارات الأجنبية في تونس والتي أصبح لها رأي في قرارات الحكومة!!
ثمّ ما هو البرنامج الذي سيقع تحديده وتنفيذه؟ انّ تونس أحوج ما تكون الى برنامج اجتماعي ينهض بالطبقات الضعيفة والفقراء والولايات المهمّشة، في حين انّ توجّهات الأحزاب الحاكمة توجهات ليبيرالية، مع الإشارة إلى انّ اتحاد الشغل لن يقبل بالتقليص من الاضطرابات والاحتجاجات الا اذا شكّلت «حكومة اجتماعيّة» تراعي مصالح الشغالين وفي الوقت نفسه تجعل من النمو الاقتصادي هدفها الأول ومحاربة الارهاب والمهرّبين غاية في المنزلة  ذاتها.
انّ تونس (وما عدا في مجال مكافحة الارهاب) تسير نحو الأسوأ حيث يتأكد انّ دولة المافيا بدأت تتأسّس بما أنّ كبار المهرّبين بات لهم نفوذ على كبار الأحزاب في كل اختياراتها في حين هناك دولة التهريب التي تشاهد مظاهرها في شوارعنا وأنهجنا وهي تحطّم اقتصادنا وتروّج المخدّرات وتعوّض البنوك في تحويل العملة الصعبة والعملة المحلّية تستغيث.. بعد أشهر أو سنوات قليلة سيحكم بارونات التهريب قبضتهم على تونس، وهؤلاء لا يمكن لأيّ حكومة ان تتصدّى لهم لأنّ على ذمّتهم عشرات الآلاف من العملاء والأنصار ولأنّ هذه العصابات تمتلك ما بين 20.000 و30.000 مليار مخفية في المنازل!
منذ 5 سنوات... وبسبب إجرام بعض الأحزاب تغيّرت تونس وستتغيّر أكثر نحو الأسوأ، والمؤلم أنّ أغلب الأحزاب ليس لها ايّ رؤية ولا أيّ برنامج ولا أيّ إرادة لإنقاذ البلاد. وليس لها سوى الكلام المعسول والوعود الشبه الكاذبة...

في الختام أتوجه بهذه الكلمات الى حمة الهمّامي: لا يمكن للحكومة ولا للأحزاب الأخرى تنفيذ برنامج الجبهة الشعبيّة أو مقترحاتها لأنّ الانتخابات أفرزت النتائج التي نعرفها جميعا.. كان من الأفضل أن تشاركوا في الحوار الرّامي الى تشكيل حكومة وحدة وطنية حتى تضغطوا لدفع الحكومة باتجاه عدالة اجتماعيّة ثابتة مع العمل على مساندة المؤسسات الاقتصادية التونسية.. انّ دور الحزب المعارض الأزلي لا ينفع ولا يخدم الدّفاع عن الأفكار الاجتماعية في الظروف الحالية وبالامكانات المتوفّرة ستفرز الانتخابات المقبلة نتائج لفائدة الأحزاب الليبيرالية وستبقى الجبهة من الأحزاب الخمسة الأوائل! فما فائدة مواصلة سياسة «الكرسي الفارغ»؟ هل انّ السياسة مواقف لا جدوى لها أم هي التمركز في مواقع القرار للتأثير عليها؟